طهران- بعد سلسلة خطوات دبلوماسية اتخذتها إيران، على مدى أكثر من عامين، لاحتواء التوتر الناتج عن الهجوم المسلح على السفارة الأذربيجانية بطهران عام 2023، زار الرئيس مسعود بزشكيان، أمس الاثنين، العاصمة باكو والتقى نظيره الأذربيجاني إلهام علييف ونقل إليه تحيات المرشد الأعلى علي خامنئي في مسعى لطي صفحة الخلاف بين البلدين.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك، اعتبر بزشكيان الزيارة مؤشرا على إرادة طهران لتعزيز علاقاتها مع باكو. كما رعى الرئيسان الإيراني والأذربيجاني توقيع 7 مذكرات تفاهم في مجالات التشاور السياسي والتبادل الثقافي والاستثمار والنقل والتعاون الصحي والإعلامي.
وضم الوفد المرافق لبزشكيان وزير الخارجية عباس عراقجي، والطاقة عباس علي آبادي، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ستار هاشمي، والتراث الثقافي والسياحة رضا صالحي أميري، والطرق والتنمية الحضرية فرزانه صادق، والمستشار السياسي للرئاسة الإيرانية مهدي سنائي.
برعایة رئيسى البلدين..توقيع 7 مذكرات تفاهم مشتركة بين إيران وأذربيجان
بحضور رئيسي إيران وجمهورية أذربيجان، تم التوقيع من قبل مسؤولي البلدين على 7 مذكرات تفاهم للتعاون بين مختلف الأجهزة التنفيذية.
وبالإضافة إلى البيان المشترك للزيارة الذي وقعه الرئيسان، تم أيضًا توقيع سبع مذكرات… pic.twitter.com/AHOUCbwrND— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) April 28, 2025
أهمية الزيارة
وتأتي الزيارة بعد أيام قليلة من إصدار السلطة القضائية الإيرانية حكم الإعدام بحق منفذ الهجوم المسلح على السفارة الأذربيجانية في طهران الذي أدى حينها إلى مقتل مسؤول أمن السفارة وإصابة حارسين آخرين، حيث علّقت إثره باكو عمل بعثتها الدبلوماسية بالكامل مدة عامين.
إعلان
وتُعتبر هذه الزيارة هي الأولی لرئيس إيراني إلی باكو منذ 6 سنوات وتأتي على وقع تنافس إقليمي ودولي متصاعد لإيجاد موطئ قدم جنوبي القوقاز انطلاقا من تعقيدات التاريخ والجغرافيا السياسية، مما يحتم على طهران التحرك دبلوماسيا لردم هوة الخلاف مع جارتها الشمالية وتطبيع علاقاتهما بما يتناسب مع صراع المصالح بين القوى الإقليمية والدولية قرب حدودها الشمالية الغربية.
ويرى الباحث السياسي مهدي خورسند أن إصرار طهران على إجراء الزيارة في موعدها المقرر رغم دخول البلاد حالة الطوارئ إثر انفجار ميناء الشهيد رجائي جنوبي البلاد السبت الماضي، وإشراف الرئيس بشكل مباشر على عمليات إخماد النيران، يدل على أهميتها لأنها تسبق زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى باكو بعد نحو أسبوع.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتبر الباحث الإيراني زيارة بزشكيان خطوة عملية هامة نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، بعد منح طهران ضمانات أمنية للجانب الأذربيجاني تمهيدا لإعادة فتح السفارة في طهران الصيف المقبل.
هواجس سياسية
وبرأيه، تطغى الملفات السياسية على زيارة بزشكيان إلى باكو بهدف إذابة الجليد بين البلدين من جهة، وإغلاق الباب بوجه بعض الأطراف الإقليمية والغربية وعلى رأسها إسرائيل وبعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) الرامية للتأثير على المعادلات السياسية بمنطقة القوقاز، واتخاذها منطلقا للتآمر على كل من إيران وروسيا والإضرار بمصالحهما بسبب القرب من ثروات بحر قزوين.
وتعول طهران على تطبيع علاقاتها مع باكو -وفق خورسند- لعرقلة التقارب المتسارع بين الأخيرة وتل أبيب وإبطال مفعول الأجندة التي سيحملها نتنياهو إلى أذربيجان في زيارته المقبلة، موضحا أن إيران تعمل على مد ممر على أراضيها لربط إقليم نخجوان الأذري بالعاصمة باكو لسحب ذريعة شق ممر زنغزور على الأراضي الأرمينية قرب الحدود الإيرانية.
إعلان
وتابع أنه على ضوء المفاوضات النووية المتواصلة بين الجانبين الإيراني والأميركي فإن هناك من يريد استغلال الخلافات السابقة بين طهران وباكو لإثارة النعرات الطائفية وافتعال أعمال شغب داخل إيران، لثنيها عن مواصلة المسار الدبلوماسي وإقناعها بضرورة تبني خيارات خشنة حيال طهران.
وعما إذا ستفضي زيارة بزشكيان لباكو إلى طي صفحة الخلاف بين البلدين على الأمد القريب، يرد خورسند بالنفي، لكنه يستدرك أنها ستشكل منعطفا في تذليل العقبات شيئا فشيئا، وصولا إلى تطبيع العلاقات بالكامل على الأمد المتوسط.
🟥 بزشكيان: العلاقات الايرانية الاذربيجانية مربحة للجانبين
قال الرئيس خلال لقاء مع رجال الأعمال الأذربيجانيين: “بمساعدة بعضنا البعض، يمكننا تبادل المعرفة والثقافة لشعبي البلدين، وخلق وضع مربح للجانبين، وخلق فوائد لكلا الجانبين”. pic.twitter.com/OJiSmL4J3D
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) April 28, 2025
مصالح اقتصادية
ورغم الأهمية التي يحظى بها الجانب السياسي في الزيارة، فإن جعبة الرئيس الإيراني لا تخلو من أجندة اقتصادية لطالما احتلت حيزا كبيرا من دبلوماسية طهران الاقتصادية خلال السنوات والعقود الماضية، بهدف التمتع بموقع يتناسب وطاقاتها في شبكة الممرات العالمية والتكتلات الإقليمية التي تتخذ من التبادل التجاري منطلقا لتعاون الأعضاء.
في السياق، يصف السفير الإيراني السابق في باكو محسن باك آئين الدبلوماسية الاقتصادية ببوابة لتعزيز العلاقات السياسية واحتواء التهديدات وضمان المصالح الاقتصادية في منطقة جنوب القوقاز وأوروبا الشرقية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يستذكر إصرار الجانب الإيراني على عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين طهران وأذربيجان قبل نحو شهر في باكو، تمهيدا لتفعيل وتسريع وتيرة العديد من المشاريع المشتركة، وتوقع أن تمهد زيارة بزشكيان لتعاون اقتصادي ثنائي، لا سيما في إعادة بناء المناطق الأذربيجانية المتضررة جراء حروب قره باغ وارتفاع المبادلات التجارية والطاقة والترانزيت.
وبرأيه، فإن موقع إيران الجغرافي يشكل جسرا بين منطقة القوقاز وآسيا من جهة وآسيا وأوروبا من جهة أخرى، عادّا جمهورية أذربيجان بوابة بلاده للوصول إلى جورجيا فالبحر الأسود ثم أوروبا الشرقية، مشددا على ضرورة تفعيل المشاريع المشتركة بين طهران وباكو في إطار الممر الدولي الشمال-الجنوب، لإيصال البضائع الأذربيجانية إلى المياه الخليجية جنوبي إيران.
إعلان
وتابع باك آئين أن المبادرة الإيرانية ببناء ممر على أراضيها لربط إقليم نخجوان الأذربيجاني بالعاصمة باكو من شأنها سحب الذرائع من القوى الإقليمية والدولية التي لطالما عزفت على وتر مشروع زنغزور بهدف زعزعة أمن المنطقة وتغيير حدودها ومحاصرة طهران.
ومع ذلك، فإن التطبيع الكامل بين طهران وباكو سيبقى منقوصا في ظل استمرار شغور مقعد السفير الإيراني لدى الأخيرة منذ 10 أشهر، ورفض الجانب الأذربيجاني عددا من الدبلوماسيين المرشحين لهذا المنصب، وفق ما كشفته وكالة أنباء فارس تزامنا مع زيارة الرئيس الإيراني إلى الجارة الشمالية.