طوال 4 ساعات، حاول محمد أبو حطب الدخول إلى منزله في مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم، لأخذ ما يمكنه حمله من المقتنيات، بعد أن أخطره جيش الاحتلال الاسرائيلي قبل أيام بهدمه، إضافة إلى منازل 5 عائلات أخرى، من حارة المنشية في نور شمس، وتقدر بـ 15 وحدة سكنية.
منعت قوات الاحتلال أبو حطب من الوصول إلى منزله، رغم حصوله على تصريح بذلك هو وباقي أفراد العائلات المخطرة، واحتجزتهم وسط ساحة كبيرة أمام مدخل المخيم، ومنعتهم من الوصول إلى المنازل التي أرادت هدمها اليوم، كما منعوا معهم عددا من متطوعي الهلال الأحمر وحاولوا تفتيشهم.
يقول أبو حطب “منعوني من الدخول على الرغم من حصولي على تنسيق منذ ليلة أمس، أخبرونا أنه سيسمح لنا بالوصول إلى منازلنا من الساعة 8 صباحا وحتى 12 ظهرا، لكني قضيت الوقت محتجزاً هنا في الساحة، وحاولوا مضايقة مسعفات الهلال الأحمر وتفتيشهن، لكنهن رفضن لعدم وجود مجندة لتفتيش النساء”.
ويضيف بحسرة “كانت فرصتي الأخيرة لرؤية منزلنا ووداعه قبل أن تهدمه جرافات الاحتلال، خرجنا من دون أن نحمل ملابس حتى، الآن فقدنا كل شيء”.
وليس ببعيد، وقف هاشم أبو حرب على تلة تشرف على المخيم، وهو يراقب جرافات الاحتلال التي حولت منزله المكون من طابقين إلى كومة من الركام، ويقول وهو يغالب دموعه “هذا تعب السنين، تحول في دقيقة إلى رماد، منازلنا هي أوطاننا، لم يكتفوا بسرقة أوطاننا أول مرة، لقد سرقوها مرة ثانية”.

مخطط اقتلاع جذري
كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد دفعت صباح اليوم الاثنين بجرافات عسكرية إلى مدخل حارة المنشية، رفقة عدد من الآليات العسكرية، وبعد ساعات بدأت عمليات الهدم في بنايات لعائلة أبو حرب، “بهدف توسيع الطرق وتقسيم المخيم إلى مجموعة من الأحياء السكنية، لتربط بينها شبكة من الطرق”.
إعلان
وتشير التقديرات إلى أن الاحتلال يسعى إلى شق 12 طريقا، بعرض 3 أمتار للطريق الواحد، وهو ما يعني إلغاء جغرافية المخيم المتمثلة بقرب المنازل من بعضها بعضا، وضيق حاراته وشوارعه.
وبانتهاء عملية الهدم الحالية، وتشمل 5 بنايات لعائلات شحادة وأبو حرب والعلاجمة، فإن مخيم نور شمس سيكون قد فقد نصف بناياته تقريباً.
ووفق التقديرات الرسمية، فإن قوات الاحتلال هدمت منذ بدء عملية “السور الحديدي” في مخيمات شمال الضفة الغربية قبل 4 أشهر، ما يعادل 1500 منزل بشكل كامل.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن، يوم الجمعة الماضي، نيته هدم قرابة 106 بنايات في مخيمات طولكرم، منها 48 منزلا في مخيم نور شمس، بدعوى ما سماها “إجراءات عسكرية”، وعلى إثر ذلك حاول أهالي نور شمس الوصول إلى المنازل التي أُعلن عن نية هدمها، بينما نفذت جرافات الاحتلال اليوم المرحلة الأولى من عملية الهدم الكبيرة.
وأظهرت مقاطع فيديو عدداً من النازحين وهم يحملون أكياس الملابس وبعض الأغطية، كما حاول آخرون إخراج قطع من الأثاث من منازلهم في عمق المخيم، لكنّ جنود الاحتلال هاجموا الأهالي بالرصاص الحي، واحتجزوا عدداً كبيراً من الرجال عند المدخل الرئيسي للمخيم، كما منعوا النساء والأطفال من الوصول إلى منازلهم.
ووصف الأهالي عمليات الهدم هذه بـ “المجزرة” بحق المخيم وأهله، وأنها تمثل حالة “إنهاء للمخيم” الذي يتعرض منذ 89 يوماً لعملية عسكرية إسرائيلية موسعة ودقيقة، فعلى الرغم من إفراغ المخيم من ساكنيه، إلا أن آليات الاحتلال وجرافاته العسكرية لم تتوقف عن شق الطرق وتوسيعها، وهدم المنازل وإحراق عدد منها.
نكبة جديدة
أكدت لجنة خدمات مخيم نور شمس أنها لا تملك خططا واضحة حتى اللحظة لمعالجة حالات النزوح التي حدثت في المخيم، وسط غياب لتحرك رسمي حقيقي لإيواء النازحين وإسكانهم.
إعلان
ويصف رئيس لجنة الخدمات نهاد أبو شاويش وضع المخيم بـ “المأساوي”، ويتحدث عن تكرار النكبة مرة أخرى للاجئين وأحفادهم، وقال “هدمت قوات الاحتلال اليوم منازل خمس عائلات من المخيم، وبقيت قرابة 40 بناية مهددة بالهدم في أي لحظة”.
ويتزامن ذلك مع أوضاع صعبة يمر بها النازحون الذين تشتتوا في أحياء وقرى المحافظة، وسط ضعف في تقديم المساعدات لهم ونقص في الإمدادات الأساسية، ويقول أبو شاويش “يحتاج النازحون من مخيم نور شمس ومخيم طولكرم اليوم جهودا حقيقية رسمية لوقف هذه المعاناة، الحل ليس في إقامة منازل مؤقتة بأعداد قليلة جداً، الحل هو العودة إلى المخيم”.
ويضيف “بعض العائلات خصصت لها المحافظة مسكنا، ودفعت 3 أشهر من قيمة إيجاره، لكننا نحن أمام كارثة متمثلة في نزوح أكثر من 24 ألف شخص من المخيمين، هذه نكبة حقيقة”.
وقال محمود أبو رعد، وهو أحد النازحين من المخيم، في وقفة احتجاجية شارك فيها أهالي نور شمس وسط مدينة طولكرم “بعضنا تعرض للنزوح مرتين، الواحد فينا بات حلمه العودة إلى منزله ومخيمه، وهذا حقنا، الحقوق لا تهدى بل تنتزع”.
وطالب الأهالي خلال الوقفة التي نظموها بعد أن نشر الاحتلال خرائط الهدم، الجهات الرسمية بتوفير منازل لهم، وإيجاد حل جذري لمشكلة نزوحهم.
وصباح اليوم، عقد رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى جلسة حكومته الأسبوعية في مدينة جنين، وقال إن “هذه رسالة عنوانها أن المخيمات ستبقى شاهدة على حق العودة، على الرغم من سياسة الاحتلال التي تهدم هذه المخيمات وتهجر أهلها”.
ووفق مصطفى، فإن الحكومة تسعى إلى تنفيذ خطط تعنى بتسكين النازحين وإيوائهم، تتضمن بناء بيوت متنقلة في طولكرم وجنين، واستئجار عدد من المنازل للعائلات التي يعاني أفراد منها من أمراض وحالات إنسانية، وتوفير موارد مالية لعدد من النازحين، خاصة ممن فقدوا عملهم بفعل النزوح.