طرابلس- في أول ظهور له بعد اشتباكات العنف التي هزّت العاصمة الليبية طرابلس مؤخرا، خرج رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، في فيديو مسجل من داخل أروقة ديوان رئاسة الوزراء، كشف فيه عمّا وصفها بـ”حقيقة المجموعات المسلحة” التي قال إنها تغوّلت على الدولة منذ عام 2011، متهما أطرافا سياسية وعسكرية بدعمها واستخدامها كأدوات ضغط لفرض السيطرة.
وأوضح الدبيبة أنه تأخر في الخروج للرأي العام تفاديا لأي تأويل أو توظيف سياسي قد يُفاقم الأزمة، لكنه اعتبر أن الوقت قد حان لـ”كسر حاجز الخوف” والكشف عما كان يدور في الكواليس من ابتزازات وممارسات خارجة عن القانون.
رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية: العاصمة شهدت أحداثا صعبة ومؤسفة حاولت أطراف استغلالها لإشعال التوتر#الجزيرة_مباشر #ليبيا pic.twitter.com/o6jyhQ3nsg
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 17, 2025
الجماعات المسلحة
وشرح رئيس الحكومة خريطة السلاح الليبي، موضحا أن المجموعات المسلحة التي ظهرت بعد سقوط نظام القذافي انقسمت إلى 3 فئات:
- فئة انسحبت وعادت إلى الحياة المدنية
- وفئة اندمجت في مؤسسات الدولة
- وثالثة استمرت في ابتزاز الدولة والسيطرة على مؤسساتها وأموالها
إعلان
وأكد أن بعض هذه المجموعات أصبحت أكبر من الدولة ذاتها، مستغلّة ضعف مؤسساتها وغياب الرقابة، مضيفا أن حكومة الوحدة، حين تولّت مهامها بعد اتفاق جنيف 2021، وجدت نفسها في مواجهة هذا الواقع المفروض.
اتهامات مباشرة
وخصّ الدبيبة قائد “جهاز دعم الاستقرار”، عبد الغني الككلي (غنيوة)، باتهامات صريحة، مبينا أنه كوّن مجموعة مسلحة أدارت سجونا خارج الأطر القانونية، وسيطر على مناطق سكنية مكتظة، وعلى 6 مصارف تجارية، وكان يعاقب من يخالفه بالسجن أو الإخفاء.
واتهمه أيضا بابتزاز الحكومة والتدخل حتى في قطاع الصحة، معلنا أن دواء الأورام، الذي أثار جدلا واسعا بين المواطنين بسبب عدم تطابقه مع المعايير الوطنية، وتم استيراده من العراق، جرى إدخاله إلى ليبيا بضغط مباشر من الككلي على وزير الصحة المكلف.
كما تناول الدبيبة تقرير المحكمة الجنائية الدولية، الذي كشف انتهاكات خطيرة داخل السجون، مشيرا تحديدا إلى أسامة نجيم، المسؤول عن سجن معيتيقة، الذي ورد ذكره في التقرير متهما بارتكاب جرائم جسيمة، من بينها اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 14 عاما.
وقال الدبيبة: “لا يمكن القبول باستمرار وجود المجرم أسامة نجيم، ولم أسعَ لإخراجه من إيطاليا، ولا أعرفه ولم ألتقه من قبل”، مضيفا أن تقرير المحكمة شكّل صدمة دفعته لاتخاذ موقف حاسم من تلك الانتهاكات.
مسؤولية الانفلات
وفي لهجة تصعيدية، اتهم رئيس حكومة الوحدة خصومه السياسيين، وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي خاطب محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى بتجميد حسابات الحكومة، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الذي وصف قرارات الدبيبة بالعبثية قائلا إن “الدبيبة نيرون طرابلس”، بأنهم يسعون لإبقاء العاصمة تحت هيمنة المجموعات المسلحة، لاستغلالها في معارك النفوذ والسلطة.
ووجّه حديثه إلى القيادة العسكرية في الرجمة (شرق ليبيا) قائلا: “ما رأيناه في فيديو النائب إبراهيم الدرسي يجب أن يكون درسا لنا جميعا، ويكشف فقدان الإنسانية”، في إشارة إلى الفيديو المتداول الذي أظهر النائب محتجزا في ظروف مهينة.
إعلان
واختتم الدبيبة خطابه بالتأكيد أن “حاجز الخوف قد انكسر”، وأن المرحلة المقبلة ستشهد مواجهة مع من وصفهم بـ”المبتزّين والمجرمين”، داعيا إلى عدم الدفاع عنهم أو توفير الغطاء السياسي لهم، في خطوة اعتبرها كثيرون إشارة إلى إعادة ترتيب المشهد الأمني في الغرب الليبي.

ضغط الشارع
وكان ميدان الشهداء في العاصمة الليبية، قد شهد، مساء الخميس والجمعة، تظاهرات شارك فيها الآلاف للمطالبة برحيل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وإسقاط حكومته، في رفض صريح لمواقف الحكومة وقراراتها.
في حين يُعتقد أن جهات تابعة لحكومة الوحدة قامت بتعطيل الاتصالات لعرقلة التغطية الإعلامية للمظاهرات.
وقد استجاب 3 من وزراء الحكومة لمطالب المحتجين خلال أقل من 24 ساعة، إذ قدّم الاستقالة كل من وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي، ووزير الإسكان والتعمير أبوبكر الغاوي، ونائب رئيس الحكومة ووزير الصحة المكلف (الموقوف عن العمل بقرار من النائب العام في قضايا فساد).
وشهدت طرابلس، صباح اليوم الأحد، حالة من فوضى نسبية في طرقاتها بسبب السواتر الترابية وإغلاق الطرق بالإطارات، نتيجة الانقسام والمواقف المتباينة. وقد دخلت بلدية سوق الجمعة عصيانا مفتوحا، وانضم إليها اتحاد طلبة جامعة طرابلس، بعدما أعلنت الجامعة استئناف العمل بشكل طبيعي. في المقابل، توقفت الدراسة في بلديات طرابلس المركز وسوق الجمعة وعين زارة، في حين استُكملت بشكل اعتيادي في بلدية تاجوراء.
ما حقيقة إعلان المجلس الأعلى للدولة أن حكومة الدبيبة فقدت شرعيتها؟ رئيس لجنة الأمن القومي بالمجلس الأعلى للدولة سعيد ونيس يجيب#طرابلس #ليبيا #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/AHl5oajBtm
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) May 17, 2025
إعلان
صراع الشرعية
يرى المحلل السياسي فيصل الشريف أن الدبيبة كان ينتظر انتهاء العمليات العسكرية ويقيس ردود الفعل في الأوساط الرسمية والشعبية قبل الخروج بخطاب رسمي لليبيين.
ويضيف الشريف، في حديثه للجزيرة نت، أن كلام رئيس الحكومة الصريح عن تغوّل الأجهزة الأمنية وعجزها عن مواجهة نفوذ هذه الأجهزة في السيطرة على مؤسسات الدولة ومواردها، يعبّر عن أن دافع الحكومة للتحرك هو العجز، في ظل سلبية المجلس الرئاسي برئاسة القائد الأعلى للجيش، محمد المنفي.
وتساءل الشريف: “لماذا لم يخرج المنفي بخطاب، وهو رئيس الجهة المسؤولة قانونيا عن جهاز الردع؟”، مضيفا أن الحكومة تسعى من خلال تحركاتها العسكرية لإيصال رسالة مفادها أنها تملك قوة نظامية تابعة لها، ولن تسمح بالابتزاز، وأن تحقيق هذا المطلب يمثل ضمانا لاستمرارها، بينما يبقى المجلس الرئاسي من يتحمّل عبء تجاوزات هذه الأجهزة.
وحذّر من أن استمرار انقسام الأجهزة الأمنية بين جهتين سياسيتين قد يحوّل التجاذبات السياسية إلى صراع مسلح.
من جهة أخرى، اعتبر الشريف أن هجوم الدبيبة على عقيلة صالح وخالد المشري والقيادة العسكرية في الرجمة يُظهر أنهم حاولوا استغلال التوتر الأمني في العاصمة لإسقاط حكومته.
ورغم التجاذبات السياسية والعسكرية الحادة داخليا، فإن الشريف يؤكد أن فرص العملية السياسية باتت خارج تحكّم من هم في السلطة حاليا، داعيا البعثة الأممية إلى العمل على خيار الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات بشفافية وضمانات حقيقية، أو الذهاب نحو مسار حوار دولي جديد برعاية الأمم المتحدة.
ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في طرابلس ومحاصرة الحكومة بالاتهامات وخصوم يسعون لإسقاطها، تتعالى الدعوات لبعثة الأمم المتحدة للدفع بعملية سياسية جادة تفضي إلى انتخابات شفافة وإنهاء المراحل الانتقالية المتكررة التي فاقمت الأزمات وأبقت مؤسسات الدولة في حالة شلل.
إعلان
وبينما يحاول رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة تصوير خطابه على أنه بداية لكسر “حاجز الخوف” وتحرير مؤسسات الدولة من الابتزاز، يرى مراقبون أن حجم التحديات السياسية والأمنية قد يفوق قدرة الحكومة على المعالجة من دون توافق وطني شامل.
ويبقى الشارع الليبي رقما صعبا في معادلة التغيير، وسط ترقب لمآلات الأيام القادمة في بلد أنهكته الصراعات ويبحث عن استقرار طال انتظاره.