مراسلو الجزيرة نت
شهدت الأسواق الإيرانية، الجمعة، حالة من الترقب والقلق في أعقاب الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع داخل إيران، وسط مخاوف متزايدة من انزلاق الأوضاع نحو تصعيد عسكري طويل الأمد، قد يؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية والوضع الاقتصادي الهش، الذي لا يزال يعاني من تبعات العقوبات الغربية، وتراجع معدلات النمو، وارتفاع نسب التضخم.
هبوط متسارع للتومان
سجل سعر صرف العملة الإيرانية (التومان) انخفاضًا حادًا في السوق الحرة صباح يوم الجمعة، إذ تجاوز الدولار حاجز 94 ألف تومان، مقارنة بنحو 83 ألفًا الخميس، في واحدة من أكبر موجات التراجع اليومية منذ عدة أشهر، وفق ما نقلته وكالة “دنياي اقتصاد” المتخصصة في الشؤون المالية والاقتصادية.
ويُعد هذا الانخفاض مؤشّرًا واضحًا على تصاعد حالة عدم اليقين بالأوساط الاقتصادية، لا سيما في ظل غياب رؤية واضحة بشأن ما ستؤول إليه التطورات السياسية والأمنية.

وقد تزامن هذا التراجع مع ارتفاع طفيف بالأسعار الرسمية التي تنشرها الحكومة، حيث بلغ سعر الدولار في المنصة الرسمية “نيما” نحو 71 ألفا و325 تومانا نقدًا، و69 ألفا و382 للحوالات، بحسب ما أفادت به وكالة الأنباء الرسمية “إرنا”.
إعلان
ويرى خبراء اقتصاديون أن هذا الفارق الكبير بين السعر الرسمي وسعر السوق الحرة يُبرز هشاشة النظام النقدي في البلاد، ويزيد من الضغوط على المستهلكين والمستوردين على حد سواء.
تحركات ميدانية وقلق شعبي
رصدت الجزيرة نت تحركات استثنائية للمواطنين في طهران وعدد من المدن، حيث توجه العشرات إلى مكاتب الصرافة لسحب العملة الصعبة أو لتحويل مدخراتهم إلى عملات أجنبية أكثر استقرارًا، تحسّبًا لأي اضطرابات قادمة في حال اتسع نطاق الضربات العسكرية أو تصاعد التوتر الإقليمي.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال حسام رضايي الموظف الحكومي من سكان شرق طهران “ما حصل فجر اليوم (أمس) كان صادمًا.. الناس لم يعودوا يثقون بأن الأمور ستبقى محصورة. والكثيرون اتجهوا فورًا إلى الصرافات، وآخرون إلى المتاجر لشراء مستلزمات أساسية”. وأوضح أن المخاوف لا تتعلق فقط بالوضع الأمني، بل تمتد أيضًا إلى احتمالات حدوث شلل في سلاسل التوريد أو اضطراب في الخدمات الأساسية، إذا ما تصاعدت وتيرة الضربات.
ومن جانبها، عبّرت ليلى سهرابي (ربة منزل تقطن في حي يوسف آباد) عن قلقها من تأثير الضربات على أسعار المواد الغذائية، قائلة “بعض المحلات رفعت الأسعار مباشرة بعد سماع الأخبار. لقد اشتريت كيس أرز بسعر أعلى بنسبة 20% مقارنة بالأسبوع الماضي. وإذا استمرت الضربات، نخشى أن تختفي بعض السلع من السوق”. وأشارت إلى أن الذاكرة الجماعية للإيرانيين لا تزال تحتفظ بصور أزمات نقص المواد الأساسية خلال فترات العقوبات القصوى وجائحة كورونا.
ترقّب واحتياطات فردية
ورغم حالة القلق السائدة، لم تُسجل حتى الآن مؤشرات على حدوث “تزاحم استثنائي” بالمحال التجارية أو متاجر المواد الغذائية داخل إيران، وفق ما وثقته مشاهدات ميدانية. ومع ذلك، أشار مراقبون إلى وجود زيادة محدودة في حركة الشراء ببعض متاجر العاصمة، وهو ما يعكس نوعًا من الاحتياط الفردي دون أن يتحول إلى حالة من الهلع الجماعي.
إعلان
وقال بائع مواد غذائية في بازار تجريش -للجزيرة نت- مفضلا عدم ذكر اسمه “الأجواء اليوم غير طبيعية. الناس يشترون أكثر من المعتاد لكن بدون فوضى. البعض يسأل عن توفر الزيت والسكر والحبوب”.
وقد تتغير الأمور خلال 48 ساعة القادمة إذا سمعوا بدفعة جديدة من الهجمات. وأكد أن الموردين بدؤوا يتباطؤون في تسليم البضائع خشية تقلب الأسعار.
ضغوط على الأسواق العالمية
تأتي هذه التطورات في ظل ردود فعل ملحوظة بالأسواق العالمية، حيث ارتفعت أسعار النفط بنحو 7%، وبلغ سعر خام برنت أكثر من 75 دولارًا للبرميل، في حين لجأ المستثمرون إلى الأصول الآمنة مثل الذهب والدولار الأميركي والفرنك السويسري، وسط تنامي المخاوف من احتمال اضطراب الملاحة في مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو خُمس صادرات النفط العالمية، ويُعد شريانًا حيويًا للاقتصاد الدولي.
ويحذر محللون من أن أي تصعيد محتمل قد يُحدث اضطرابات كبيرة في أسواق الطاقة العالمية، ويزيد من حدة التوتر بمنطقة الخليج، وهو ما سينعكس سلبًا على حركة التجارة وأسعار السلع والخدمات حول العالم، وليس فقط في إيران.
ترقّب وتخوف
ويرى مراقبون أن استمرار الضغوط الاقتصادية، إلى جانب التوترات العسكرية، قد يعيد إلى الأذهان مشاهد “هلع الشراء” الذي شهدته إيران في فترات سابقة، خصوصًا خلال تصاعد العقوبات أو خلال تفشي جائحة كورونا عام 2020. وتشير بعض التقديرات إلى أن أي صدام طويل الأمد قد يقضي على ما تبقى من الثقة بالأسواق الداخلية، ويدفع المواطنين نحو المزيد من الاكتناز والاحتياط الذاتي.
ولكن، وحتى اللحظة، تبدو الحكومة الإيرانية حريصة على ضبط المشهد الإعلامي وطمأنة السكان إلى أن الأمور تحت السيطرة. وقد بثّت القنوات الرسمية تقارير تهدف إلى تهدئة الشارع، مشددة على أن “الموقف تحت المتابعة” في حين دعا مسؤولون اقتصاديون المواطنين إلى “عدم الانجرار خلف الشائعات والمبالغات”.
إعلان
ومع ذلك، تبقى التساؤلات مفتوحة بشأن ما إذا كانت هذه البلاد ستتمكن من احتواء تداعيات الأحداث الأخيرة، أم أن الطريق نحو أزمة اقتصادية جديدة قد بدأت بالفعل.