القدس المحتلة- في خطوة تحمل دلالات عسكرية وسياسية خطِرة، صدّق المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، بالإجماع، على خطط الجيش الإسرائيلي لتوسيع عمليته البرية في قطاع غزة تمهيدا لاحتلاله.
هذه الموافقة جاءت تزامنا مع إعلان جيش الاحتلال استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، في مؤشر واضح على أن العملية المقبلة قد تكون الأوسع نطاقا منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ووفق تصريحات رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فإن المرحلة المقبلة “تختلف عن سابقاتها”، إذ أشار إلى نية الجيش “الانتقال من أسلوب الاقتحامات إلى احتلال الأراضي والبقاء فيها”، ما يعكس تحولا إستراتيجيا في مسار العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع.

خطة احتلال
بحسب تسريبات نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر سياسي في مكتب نتنياهو، فإن الخطة التي عرضها رئيس الأركان إيال زامير، تتضمن أهدافا معلنة تشمل هزيمة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، واستعادة الأسرى، والسيطرة الكاملة على القطاع.
لكن فعليا، لا تحمل هذه الخطة جديدا نوعيا، إذ تعيد تدوير أهداف الحرب المعلنة منذ 19 شهرا، والتي لم تتحقق رغم استخدام القوة القصوى والحصار، وفق ما أفاد به الموقع الإلكتروني التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وأضاف المصدر نفسه، أن الخطير في الخطة أنها تتضمن احتلال القطاع بالكامل، وتحريك السكان جنوبا، وتجريد حماس من أدواتها الإدارية واللوجستية، وهو ما فسره المراسل العسكري للصحيفة، يوآف زيتون، على أنه خطوة محتملة نحو فرض تهجير داخلي واسع أو حتى تهجير خارج القطاع، في ظل تدهور الوضع الإنساني غير المسبوق.
إعلان
تطرح الخطة أسئلة جدية عن مدى قدرة إسرائيل على تنفيذ احتلال بري شامل، خاصة مع ما يتطلبه ذلك من موارد بشرية هائلة، وسط تململ داخلي من طول أمد الحرب وارتفاع الخسائر، حسب ما ذكره الموقع الإلكتروني “واللا”.
وتساءل المراسل العسكري للموقع، أمير بوحبوط، “هل يمتلك الجيش الإسرائيلي العدد الكافي من الجنود لتنفيذ خطة بهذه التكلفة؟ وهل قوات الاحتياط، التي تستدعى من جديد، قادرة على الصمود في حرب استنزاف طويلة ومعقدة في بيئة حضرية كغزة؟”.
ويتابع، “التساؤل الأكثر حساسية هو بشأن المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس: هل يشير التحول إلى الاحتلال والبقاء إلى أن نتنياهو مستعد للمجازفة بمصيرهم؟ خاصة أن مثل هذا السيناريو قد يدفع حماس إلى تبني خيارات قصوى، ما يعني احتمال التضحية بهم ضمن حسابات سياسية أوسع”.
ماليا، قدّر أن توسيع الحرب سيكلف إسرائيل مليارات إضافية من ميزانيتها، ما سيؤثر حتما على الوضع الاقتصادي، في ظل أزمة ثقة متصاعدة داخل المجتمع الإسرائيلي، وتنامي الاحتجاجات ضد إدارة الحرب.
خسائر فادحة
وعلى صعيد القوى البشرية، يعتقد المراسل العسكري بوحبوط أن السيطرة على كامل غزة تتطلب قوة برية هائلة، وخسائر محتملة في صفوف الجيش، لا سيما مع تزايد عمليات المقاومة الفلسطينية واستخدامها أساليب حرب الشوارع والأنفاق، ما يجعل من القطاع “فخا متفجرا” لأي قوات تحاول فرض سيطرة كاملة.
توسيع العملية البرية في غزة ليس مجرد تصعيد عسكري، بل هو محاولة سياسية لإعادة رسم واقع القطاع بالقوة، مع ما يحمله من مخاطر إنسانية وجيوسياسية هائلة، بحسب ما ذكرت صحيفة “هآرتس”.
ويرى محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة، عاموس هرئيل، أن هذه الخطوة تصعيد مفتوح الأمد، يحمل أبعادا تتجاوز الميدان العسكري، ويتقاطع مع مخططات التهجير القسري لغزة، سواء عبر الدفع نحو الجنوب أو عبر سيناريوهات ضغط على مصر لفتح معبر رفح لموجات نزوح.
إعلان
وبينما يتحدث نتنياهو عن نصر حاسم، قدّر المحلل هرئيل، أن الخطة قد تنزلق نحو مأزق جديد، حيث لا نصر واضحا ولا نهاية قريبة، بينما يدفع المدنيون الغزيون والجنود الإسرائيليون الثمن الأكبر.
في العمليات البرية المحدودة في قطاع غزة خلال 2023 و2024، قُتل أكثر من 600 جندي إسرائيلي، وأصيب الآلاف، وفي حال دخول بري شامل إلى المناطق المكتظة مثل غزة المدينة، والشجاعية، وخان يونس، فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى احتمال سقوط آلاف القتلى من الجنود على الأمد الطويل.
وحيال ذلك، أوضحت صحيفة “معاريف” أن جيش الاحتلال يواجه سلسة من التحديات في حال توسيع عمليات التوغل البري واحتلال القطاع، تشمل تصاعد الهجمات المسلحة، والكمائن، وتفجيرات الأنفاق، و”هي بيئة غير مناسبة إطلاقا للجيش النظامي، ولخطوط الإمداد، وحماية الآليات الثقيلة داخل المناطق المكتظة، وإدارة الأراضي المحتلة، والاحتكاك اليومي”.
كما أن الجيش الإسرائيلي يحتاج، وفق الصحيفة، إلى نظام حكم عسكري أو مدني بديل داخل غزة إذا ما تم البقاء فيها، وهو أمر لم يُعلن، ما يطرح تساؤلات عن الاستعداد الحقيقي لاحتلال القطاع.
توترات داخلية
يُقدّر أن السيطرة الكاملة على قطاع غزة تتطلب ما لا يقل عن 60 إلى 80 ألف جندي، منهم وحدات مشاة، ومدرعات، وهندسة قتالية، واستخبارات ميدانية، ووحدات نخبة، بحسب صحيفة “كلكليست” الاقتصادية.
حاليا، إسرائيل تستدعي دفعات إضافية من الاحتياط، في إشارة إلى نقص واضح في القوة النظامية يقدر بأكثر من 10 آلاف جندي نظامي، وعدم كفاية القوات الميدانية المنتشرة في الجنوب والشمال.
وتتسبب خدمة الاحتياط المطولة في إرهاق واسع داخل صفوف الجيش، وتزيد من التوتر الاجتماعي والاقتصادي داخل إسرائيل.
يُشار إلى أنه في اجتياح لبنان عام 1982، استخدمت إسرائيل نحو 80 ألف جندي للسيطرة على مناطق أقل كثافة سكانيا من غزة، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 2.2 مليون نسمة في مساحة صغيرة (365 كيلومترا مربعا).
إعلان
وبحسب تقديرات إسرائيلية نُشرت خلال العدوان، فإن تكلفة الحرب في غزة تتجاوز 300 مليون شيكل يوميا (نحو 80 مليون دولار)، وفق صحيفة “غلوبس” الاقتصادية.
ووفقا للصحيفة، فإن عملية برية طويلة الأمد مع بقاء للجيش في الميدان قد تصل تكلفتها من 10إلى 15 مليار دولار إضافية في عام واحد فقط، تشمل رواتب جنود الاحتياط، واستهلاك الذخائر، وتدمير وإعادة تجهيز آليات، ودعم الجبهة الداخلية (تعويضات، خسائر اقتصادية).
وقدّرت أن اتساع العمليات العسكرية يضع ضغطا على ميزانية الحكومة، التي تعاني أصلا من عجز مالي متزايد، ولعل أبرز التداعيات ستكون ارتفاع أسعار التأمين، وهروب المستثمرين، وتراجع التصنيف الائتماني المحتمل الذي قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية موازية.