طهران- في ظل التهديدات الأميركية المتصاعدة بالتحرك عسكريا ضد طهران إذا فشلت المفاوضات النووية المتعثرة بينهما أثار تزايد المؤشرات على استعداد إسرائيل لشن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية تساؤلات عن مدى جاهزية إيران للتصدي لأي ضربة متوقعة.
ولا يخفى على المتابع للشأن الإيراني بأن المؤسسة العسكرية الإيرانية قد وضعت على أهبة الاستعداد منذ أكثر من عام، حيث خرج الصراع بين تل أبيب وطهران من المنطقة الرمادية إلى المواجهات العسكرية العلنية، وكثفت الأخيرة مناوراتها بالذخيرة الحية وتجاربها العسكرية عقب عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
فبعد إعلانها رسميا عن تجارب ناجحة على منظومات دفاع جوي متطورة ومسيّرات حديثة وتقارير غير رسمية أخرى تتحدث عن استخدامها لأول مرة أسلحة بلازمية (تستعين بمصادر طاقة قوية وموجات كهرومغناطيسية لتحولها إلى قدرات مدمرة)، تتعمد طهران الكشف عن حصولها على “كنز إستراتيجي” من الوثائق والمعلومات السرية المتعلقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي وتعلن عن إجراء تجربة ناجحة لصاروخ برأس حربي يزن طنين.
من ناحيته، هدد وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصير زاده الأربعاء الماضي بأن کافة القواعد الأميركية “تحت مرمانا، وسنستهدف تلك القواعد إذا فرض علينا صراع”، لتعلن واشنطن إثر التهديد الإيراني إجلاء عدد من موظفيها العسكريين والدبلوماسيين من المنطقة، مما يرسم علامة استفهام عما إذا كانت الخطوة الأميركية مؤشرا على اقتراب توقيت المواجهة.
بعد إعلان مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في قرار رسمي أن #إيران “انتهكت التزاماتها النووية”.. الخارجية الإيرانية وهيئة الطاقة الذرية الإيرانية: تشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم ردا على التصويت ضدنا pic.twitter.com/BpXhG4t8kv
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 12, 2025
إعلان
خطط المواجهة
وطالما برزت التهديدات الأميركية والإسرائيلية عاملا رئيسيا في تحديد الإستراتيجيات الدفاعية الإيرانية منذ عقود. ويقول الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية مهدي بختياري، المعروف بقربه من الحرس الثوري الإيراني، إن بلاده سبق وخططت لمواجهة أسوأ السيناريوهات العسكرية، وعملت على تعزيزها باستمرار بالتناسب مع تطور التهديدات، وحرصت على محاكاتها من خلال مناوراتها الدورية.
ويوضح بختياري للجزيرة نت أن طهران عملت خلال العقود الماضية على تحديث قدرات مختلف قواتها العسكرية -ولا سيما الجوية والبحرية منها- وفقا لتقديراتها الإستراتيجية عن طبيعة التهديدات وحجمها وخطورتها.
وأضاف أن تجربة تنفيذ بلاده عمليتي الوعد الصادق الأولى والثانية، وكذلك القصف الإسرائيلي ضدها العام الماضي ساهما في تحديث قدراتها ورفع جاهزيتها العسكرية إلى مرحلة متقدمة جدا.
وأضاف أن ذلك تم بناء على مرتكزات قوة طهران من جهة وكشفها الثغرات العسكرية لديها والعدو، موضحا أن المضادات الجوية الإيرانية شهدت تحولا لافتا جدا خلال الأشهر القليلة الماضية.
بنك أهداف
ويشير بختياري إلى أنه من دون أدنى شك لن تكشف الدول المصنعة للأسلحة مثل إيران عن جميع أوراقها وتسليحاتها وتحتفظ بجزء كبير منها، ويرجع سبب تزايد وتيرة كشف إيران عن إنجازاتها العسكرية إلى تصاعد التهديدات العسكرية والأمنية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبرأي المتحدث نفسه، فإن طهران حدّثت بنك أهدافها في كيان الاحتلال من خلال الوثائق السرية التي كشفت عنها مؤخرا، مضيفا أنه في حال تحركت إسرائيل منفردة ضد إيران دون انخراط الولايات المتحدة الأميركية في المعركة فقد تسنح الفرصة للثأر لجميع ضحايا العدوان الصهيوني الأخير على كل من غزة ولبنان واليمن وسوريا.
أما في حال نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة في استدراج واشنطن -بحسب بختياري- فستكون المعركة سجالا وستتكبد أميركا خسائر فادحة في الشرق الأوسط.
إعلان
وأضاف أن لدى بلاده خططا محكمة للتعامل مع جميع القواعد الأميركية الثابتة والمتحركة في المنطقة، وأن التعامل مع الكيان الإسرائيلي سيكون بمثابة قاعدة أميركية ثابتة في الشرق الأوسط.
وبرأيه، يسعى نتنياهو جاهدا إلى فتح مواجهة مع إيران لمصادرة أزماته الداخلية من جهة وليضع ترامب أمام الأمر الواقع من جهة أخرى بذريعة تعرّض أمن كيان الاحتلال لخطر وجودي من إيران، مما يلزم البنتاغون بالتحرك لحمايته.
مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية: #إيران انتهكت التزاماتها النووية pic.twitter.com/3qdlzEqy6q
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 12, 2025
مصادر التهديد
وبينما تراقب “القوات المسلحة الإيرانية التهديدات بأعين مفتوحة وأيديها على الزناد” يقول الخبير العسكري والعقيد المتقاعد في الحرس الثوري محمد رضا محمدي إن بلاده سبق أن أخطرت الدول المضيفة للقواعد الأميركية بأن أي هجوم سيواجه بتدمير “مصدر التهديد بالكامل”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف محمدي أن طهران تمتلك بالفعل ترسانة صاروخية “ضخمة” تجعلها في مقدمة الدول الإقليمية في هذا المجال، موضحا أنها طورت صواريخ باليستية مناسبة لمواجهة الهجمات الإسرائيلية والأميركية على حد سواء.
واستدرك أن طهران لم تستخدم بعضا من الصواريخ مثل “خرمشهر-4” رغم الكشف عنه سابقا، إلى جانب تصميمها صواريخ كروز مناسبة لاستهداف السفن وحاملات الطائرات.
وتعوّل إيران على منظومات الدفاع الجوي المحلية -وعلى رأسها “باور-373“- لحماية سمائها، وفق العقيد المتقاعد في الحرس الثوري، فضلا عن امتلاكها مقاتلات متطورة ومنظومات ورادارات حصلت عليها من الدول الحليفة، مؤكدا تركيب طبقات متعددة من المضادات الجوية في أطراف المنشآت الحيوية وعلى قمم الجبال المنتشرة بربوع البلاد.
حلفاء جاهزون
وبرأيه، فإن العامل الجغرافي ومساحة إيران الشاسعة يمكنانها من نشر ترساناتها العسكرية في ربوع البلاد، والتي يستحيل القضاء عليها عبر هجمات عسكرية مهما بلغت شدتها، لأن بعض خطوط الإنتاج مشيدة مئات الأمتار تحت الأرض وسلاسل الجبال، وأن بعضا منها منفصل تماما عن الأجهزة الالكترونية لمنع شلها عبر الهجمات السيبرانية.
إعلان
ويعتبر محمدي أن عنصر الهجمات الخاطفة لم يعد يجدي نفعا مع إيران التي جربت الحرب مع النظام العراقي السابق على مدى 8 أعوام، موضحا أنه بإمكان “العدو” أن يطلق شرارة الحرب لكنه لن يستطيع إخماد نيرانها.
واستدرك أنه لا يستبعد أن تصير أراضي الولايات المتحدة في مرمى نيران الصواريخ الإيرانية في حال اتخاذ طهران قرارا بتطوير صواريخ عابرة للقارات، وهي مهمة ليست عصيبة على الأطراف التي تمتلك صواريخ حاملة للأقمار الصناعية.
قائد الحرس الثوري الإيراني: نعيش منذ سنوات في قلب حرب شاملة ونواجه على المستوى الاقتصادي حربا عالمیة pic.twitter.com/m5V4a5wtKj
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 12, 2025
وأشار القيادي السابق في الحرس الثوري إلى أنه ليس في وارد الخوض في قدرات إيران العسكرية التي لم تكشف عنها بعد، لكن قد يتلقي العدو ضربات من المسافة صفر لم تكن في الحسبان، وأن إيران قد أعدت خططا وجهزت فصائل حليفة للقيام بالواجب عندما تستدعي الحاجة، مستدركا أنه مخطئ من يظن أن محور المقاومة قد انتهى، وأن أيادي شبكاته المدربة والمجهزة على الزناد وجاهزة للتفعيل.
وبينما تشير جميع المؤشرات إلى رفع إيران حالة التأهب إلى الحد الأقصى يتساءل مراقبون عما إذا كانت ورقة الضغط العسكري الإيرانية في ردع إسرائيل ستنجح، أم أن المنطقة مقبلة على عاصفة لا تبقي ولا تذر في حال فشل المفاوضات النووية المتعثرة بين طهران وواشنطن بوساطة عُمانية؟