ورد في تحليل إخباري لصحيفة هآرتس أن استعدادات إسرائيل العسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية دونها عقبات عملياتية واضحة، حيث تشكل معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتلك الخطط مأزقا أشد خطورة وإيلاما في الوقت الراهن.
ووفقا للمحلل العسكري للصحيفة يوسي ميلمان، فإن تحليق طائرات مقاتلة فوق سماء إسرائيل خلال الأسابيع الماضية، أثار فضول العامة وتساءلوا عن أسباب سماعهم أزيز تلك الطائرات. وجاءت الإجابة أن الجيش الإسرائيلي يستعد لتوجيه ضربة محتملة ضد منشآت إيران النووية، أو على الأقل هذا هو الانطباع الذي يريد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ترسيخه في أذهان مواطنيه.
لكن ميلمان يقول في تحليله إن الشعور السائد لدى الفرد الإسرائيلي هو أنه سبق له أن عاش مثل هذه التجربة من قبل.
خطة الهجوم
ولفت إلى أن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أوردت الأربعاء الماضي أن إسرائيل كانت تنوي ضرب المواقع النووية الإيرانية في مايو/أيار المقبل. وحسب الخطة، كان من المفترض أن تحصل العملية على موافقة الولايات المتحدة، وتتولى تنفيذها قوات خاصة مشتركة بين البلدين.
ولكن عندما أبلغ المخططون والقادة العسكريون الإسرائيليون رئيس الوزراء نتنياهو بأن العملية لن تكون جاهزة قبل أكتوبر/تشرين الأول، اضطر -وفقا لهآرتس- إلى مراجعة الخطة للتركيز على ضربات جوية واسعة النطاق في وقت مبكر من الشهر المقبل، والتي لا تزال تتطلب مساعدة أميركية كبيرة.
إعلان
بيد أن الرئيس ترامب أوقف تلك الخطة لإفساح المجال للمفاوضات مع طهران بشأن قدراتها النووية، وفق الصحيفة الإسرائيلية.
هل هو تسريب متعمد؟
ويقول ميلمان إن تقرير نيويورك تايمز تفوح منه رائحة تسريب متعمد من قبل مقربين من نتنياهو، الذين يبدو أنهم يحاولون أن يبرروا للقاعدة السياسية لرئيس الوزراء سبب وجود مثل هذه الفجوة بين تصريحاته النارية حول إيران والعمل الفعلي.
وبعبارة أخرى، يحاول نتنياهو إلقاء اللوم مرة أخرى على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها بسبب عدم جاهزيتها وضعفها، كما قال في الماضي.
غير أن هآرتس تؤكد أن سوابق الماضي توحي بخلاف ذلك. فالصحيفة تصف قدرات إسرائيل العسكرية بأنها محدودة، وأن نتنياهو يدرك ذلك جيدا.
وكشفت في تحليلها الإخباري أن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) توقف عن إرسال عملائه إلى إيران منذ حوالي عقد ونصف العقد من الزمن، بعد أن خلص إلى أن مثل هذه المهمات تنطوي على خطر بالغ قد تنتهي بالقبض عليهم وإعدامهم.
آثر عدم المخاطرة
وتساءلت هآرتس: “إذا كان الموساد قد آثر عدم المخاطرة بفرقه الصغيرة والمختارة، فكيف يمكن لإسرائيل أن ترسل مئات من قوات الكوماندوز إلى إيران -التي تبعد عنها أكثر من ألف كيلومتر- لضرب مواقع نووية، وتتوقع ضمان عودتهم سالمين إلى ديارهم؟”.
وحتى الضربات الجوية الإسرائيلية تواجه قيودا خطيرة، فالمنشآت النووية الإيرانية شديدة التعقيد، ذلك لأن الموقعين الرئيسيين، نطنز وفوردو، محصنان بشدة ويقعان على عمق 20 إلى 40 مترا تحت الأرض، حيث قامت إيران بتركيب عشرات الآلاف من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.
وأفادت الصحيفة بأن إسرائيل لا تملك قنابل خارقة للتحصينات، مثل الولايات المتحدة، كما أنها لا تمتلك قاذفات القنابل الثقيلة اللازمة لحملها.
فهل سيؤدي الهجوم على المواقع النووية الإيرانية التي تخزن اليورانيوم المخصب والمواد الكيميائية الحساسة إلى المخاطرة بإطلاق تداعيات إشعاعية على المناطق المدنية المكتظة بالسكان؟ هذا هو السؤال الملح الذي طرحته صحيفة هآرتس.
إعلان
وتساءلت مرة أخرى عما إذا كانت لدى إسرائيل والولايات المتحدة معلومات استخباراتية دقيقة بما فيه الكفاية لتحديد جميع هذه الأهداف وضربها، وخاصة المختبرات التي يُعتقد أنها مسؤولة عن تطوير الأسلحة النووية الفعلية.
لا تستطيع العمل بمفردها
وعلى افتراض أن المعلومات الاستخبارية محكمة، فمن الواضح أن إسرائيل لا تستطيع العمل بمفردها وستحتاج إلى مساعدة أميركية فعالة، حسب ما ذكر ميلمان في تحليله.
وجاء في التحليل أيضا أن هناك وجهات نظر متضاربة عما يجب أن تكون عليه نهاية اللعبة التي يجب أن تنتهجها الإدارة الأميركية في المحادثات مع إيران؛ فإما أن تصر على التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني، أو تقبل بحل وسط كما اقترح مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
وفي كلتا الحالتين، فإن الصحيفة الإسرائيلية ترى أن الطريق إلى توجيه ضربة عسكرية أميركية لإيران لا يزال بعيدا، وأن قدرة نتنياهو على التأثير في نتائج المحادثات محدودة، بل قد تكون منعدمة.
وختمت بالقول إن نتنياهو لن يستطيع إلقاء اللوم على ترامب -مثلما اعتاد على أن يفعل مع جهات أخرى- إذا كانت النتيجة أقل بكثير من توقعاته.